
الحرية .. تلك الغاية المقدسة من أجلها جاء الرسل والأنبياء ثار البشر فى كل زمان ومكان وإمتثلت راضية أمواج البحر وأسرار الغناء
الحرية .. تلك الروح السارية فى كل جسد عفى معطاء ويشتهى الحياة إلى حد الموت يتوق إلى بهجة التواصل بكل ما يتجاوز الحواس الخمس
الحرية .. ذلك الرعب المضىء لا يقدر على تحمله إلا رجل ينتشى مع المخاطرة وإمرأه تتألق مع الألم
مع مرور الوقت تتكشف لى أبعاد جديدة فى علاقة الحرية بالحب فى كل مرة أنوى فيها الحديث عن الحب ينتهى بى الأمر للحديث عن الحرية هل لأن الحب كما يقول المثل الفرنسى إبن الحرية؟
أعترف أننى فى مأزق
إن الحب هو الثمرة الصحية لمناخ متكامل من الحرية لا شىء سوى الحرية يضمن إستمرار العلاقة بين الرجل والمرأه متأججة ثرية ومختلطة بالحياة فى تطورها وإرتقائها
إن الرجل وقد تحرر من الدوافع المريضة إلى المرأه هو الذى يصنع أجمل العشاق وكذلك المرأه التى تحررت من الإحتياج الإقتصادى والنفسى إلى الرجل هى التى تصنع أحلى العاشقات
لكننى من ناحية أخرى -وهذا هو المأزق- إكتشفت أنه كلما أصبح الإنسان حرا رجلا كان أو إمرأه أصبح أكثر تحملا لغياب الأخر دون أن ترتبك حياته أو أن تتعطل علاقته الخاصة بذاته وبالعالم وإذا سلمنا أن الحب نوع من الإحتياج الإنسانى إلى الأخر بشكل ما فإن الحرية شئنا أو أبينا تعمل ضد الحب
فالحرية هى الأم الأصيلة للحب وهى الرئة التى تتنفس من خلالها علاقة الأخذ والعطاء لكنها هى نفسها قد تصبح عائقا للحب وحدا له
فهى باليد اليمنى تضمن المناخ الأمثل لمعرفة وإختيار الأخر وباليد اليسرى تسحب إحتياجنا له وإن لم تسحبه فإنها تشل قوته المعهودة وتقلل من مفعوله المفرح الأسر فكيف نفسر التناقض؟
إن الرجل الحر لأنه حر طبعا يستحق أكثر من أى رجل أخر أن يستمتع بما فى الحب من سحر وجمالوالمرأه الحرة لأنها حرة طبعا أيضا تستحق أكثر من أى إمرأه أخرى أن تكون محبوبة أن تجنى كل ثمرات الحب الشهية
لكن المفارقة أن من يستحق الحب أكثر من غيره يواجه بحقيقة مخيفة أنه لا يحتاج شيئا ولا يحتاج أحدا إحتياج واحد فقط هو الذى يلح ويفرض صوته وشرطه ألا وهو الإحتياج إلى الحرية
وليس مصادفة أن أكثر الناس ملاقاة للمتاعب فى الحب هم الناس الأحرار رجالا ونساء على حد سواءتتدرج المتاعب بداية بسوء الفهم أو عدم الفهم والخوف منهم وإتهامهم بالأنانية والتقلب وغرابة الأطوار والتناقض
ليست مصادفة أن الرجل لا يفضل المراه الحرة فهو يعتبرها مخيفة مرهقة مثيرة للشكوك وهو يدرك بشكل واع أو غير واع أنها لا تحتاج شيئا أو أحدا وطبعا بالمفهوم التقليدى للإحتياج وبالتالى هو لا يعرف كيف يمكنه الفوز بمشاعرها
المرأه الحرة هى عبء يتفاداه الرجل أين هذا الرجل الفدائى الذى يدخل إلى أرض ملغمة ليست لها خريطة محدده أو دليل؟
والمرأه كذلك تهرب من الرجل الحر وإن أعجبت به من بعيد تتجنب الإقتراب منه تعرف أنه عصى المنال صعب الترويض لأنه لا يحتاج شيئا ولا أحدا سوى حريتهالرجل الحر مثل المرأه الحرة أرض مجهولة المعالم خطرة التضاريس تتفاداها النساء
كيف نفهم هذه المفارقات؟
أتكون ثمنا للحرية التى لا تقبل المنافس أو الشريك فهى تخيرنا بينها وبين الأخر؟
أتكون حكمة الحياة القاسية أننا لا نستطيع الجمع بين غاياتها المقدسة وأقصد الحرية طبعا وبين أفراح الحب؟
أتكون ثمنا للحرية التى لا تقبل المنافس أو الشريك فهى تخيرنا بينها وبين الأخر؟
أتكون حكمة الحياة القاسية أننا لا نستطيع الجمع بين غاياتها المقدسة وأقصد الحرية طبعا وبين أفراح الحب؟
ويبدو الأمر و كأننا مجبورون على حسم موقفنا إما فرصة الحب مكتملة مع بعض القيود وبعض التنازل أو فرحة الحرية
لقد تربينا على أن فى الحب سعادتنا وفى غيابه يكون المصير الموحش مع الوحدة والشقاء
يقول (إريك فروم) فى كتاب قرأته منذ بضع شهور إسمه (فن الحب) أن الحب الحقيقى بين رجل ناضج وإمرأه ناضجة قوة فعالة توحد الإنسان بالعالم والحب وحده هو الذى يستطيع تخليص الإنسان من مأساته ألا وهى وعيه بالإنفصال عن طبيعة وفقدانه التناغم الأصلى معها
ويقول كذلك أن ضرورة الحب وأهميته تكمن فى أنه الحل الوحيد لفعل الإشباع لقهر أقوى وأقدم عاطفة لدى الإنسان وهى إستعادة التوحد والإشتياق إلى إمتزاج جديد لا يلغى فرديته وذاتيته
إن التوحد الحادث بين الرجل والمرأه فى الحب فى رأيى أنا الشخصى يلغى أحاسيس الإنفصال عن الكون ويذيب مشاعر القلق والعجز وعدم الأمان
وكذلك الفشل فى الحب يفضى إلى توترات نفسية خطيرة وإلى التورط فى علاقات مضرة زائفة لا يمكن أن تكون سبيلا أو بديلا عن الحب الإنسانى الحر
وأنهى كلماتى هذه بسؤالكم أنتم رجلا أو إمرأه عن ذلك الخيط الرفيع الذى يربط بين فرحة الحب فى دواخلكم وفرحة الحرية فى كلماتكم وأفعالكم فى أخر محطات العمر لديكم؟؟؟

No comments:
Post a Comment