إِلَى أُمِّى: مَا كُنْت أَحَسِب قَبْل دَفْنِك فِى الْثَّرَى ** أَن الْكَوْاكِب فِى الْتُّرَاب تَغُور ... مَا كُنْت آَمُل قَبْل نَعْشِك أَن أَرَى ** رَضْوَى عَلَى أَيْدِى الْرِّجَال تَسِيْر


31 January, 2009

أباء ظاهرهم الرحمة .. باطنهم الفساد





عذرا للقراء .. فعنوان المقال قد يكون قاسيا بعض الشىء و ماسا بقدسية كلمة الأبوة بما تحتويه و تشملة هذه الكلمة من أرقى معانى الحنان والحب

أرجو منكم تقبل العذر فالواقع مرير بحق و الأمر مضنى

نعم .. الجميع منا يمر فى مصر هذه الأونة بمرحلة من عدم الإستقرار الإقتصادى تعانى منها أغلبية الأسر فى هذا البلد العظيم نتيجة لأسباب عدة لسنا بصدد الإسهاب فى مناقشتها حاليا. و نواجه جميعا تقلبات و فوارق مجتمعية تفرضها علينا هذه الظروف الإقتصادية السيئة

لكن .. هل هذه الظروف التى تعصف بنا و تصب علينا بغضبها يوما بعد الأخر تعطى الحق للأباء بالمتاجرة بأبنائهم و محاولة التخلص منهم بكافة السبل و الطرق الأخلاقية منها و الغير أخلاقية بحجة و بدافع الفقر و صعوبة تدبير الأمور الحياتية؟

الأمر واقع و بالغ الصعوبة

ففى الأونة الأخيرة كثر الحديث عن إناس يبيعون أعضائهم البشرية و إناس أخرون يخاطرون بحياتهم بغية السفر للخارج بأساليب بدائية تتسم بعدم المشروعية و إفتقارها لأبسط وسائل الأمان كالهجرة غير الشرعية لأوروبا عبر مراكب صيد صغيرة بما تتضمنه هذه الرحلة من مهالك و أهوال فى سبيل إيجاد لقمة للعيش و هروبا من واقع إقتصادى مهين و أليم داخل وطنهم و من أجل توفير سبل كريمة للعيش تضمن لهم قدر من الطمأنينة و الإستقرار ، و غيرها و غيرها من الوسائل التى يلجأ إليها الفقراء من أبناء هذا الشعب للهروب من نقمة الفقر و إتساع الفوارق بين طبقات المجتمع نتيجة للتحول إلى النظم الليبرالية الرأسمالية و الفكر الإقتصادى الفردى القائم على الإقتصاد الحر الذى تنتهجه حكوماتنا المتعاقبة فى الحقبة الزمنية الأخيره من تاريخ مصر المعاصر

لكن القضية محل البحث اليوم و إن إشتركت مع الظواهر السابق ذكرها بإعتبارها وسيلة يلجأ إليها البعض لمكافحة الفقر و الهروب منه. إلا أنها تأخذ منحى أخر أكثر خطورة و لها أثار سلبية جدا تنال من الترابط الأسرى و تساعد على تفككه وإضمحلاله. هذا التفكك سيعود حتما على مجتمعاتنا مستقبلا بكل ما لا تحمد عقباه إذا ما تفشت هذه الظاهرة فى المجتمع نتيجة للضغوط الإقتصادية

القضية محل البحث هى تخلص الأباء -أو من يفترض أنهم أباء قائمين على رؤوس الأسر إن صح التعبير- من أبنائهم مستخدمين فى سبيل ذلك وسيلة يرونها مشروعة من وجهة نظرهم لكنها بعيدة كل البعد عن المشروعية
صباح اليوم خطر ببالى الإطمئنان على أخت و صديقة شاء لى القدر أن أتعرف بها منذ فترة ليست بالقصيرة و تشرفت كثيرا بهذا التعارف المحترم ، و كنت دائما على إتصال بها و التواصل معها و لكن حالت ظروف عملى دون الإتصال بها فترة قصيرة لا تتعدى الشهر و النصف

فتاة صغيرة السن فى مقتبل حياتها على قدر من الجمال و العلم و الخلق لا يفوتها أداء الصلوات فى أوقاتها هادئة الطباع أكاد أقسم بخلقها الرفيع و طبعها المتزن تنتمى لأسرة بسيطة فقيرة فى الريف المصرى كغيرها من باقى الفتيات

بعد الإطمئنان على أحوالها و صحتها و الإعتذار عن فترة البعاد لظروف العمل من جانبى كانت المفاجئة القاسية التى كادت تعصف بقلبى و فكرى

صدمتنى بقيام أهلها بإكراهها و إجبارها على الزواج من شخص مقتدر يكبرها سنا بفارق كبير و سبق له الزواج من قبل و له من زواجه الأول أبناء كبار و لا تزال زوجته الأولى على ذمته إلى يومنا هذا

نزل على مسامعى الخبر كالصاعقة و لكن سرعان ما تداركت الموقف و كرجل قانون ذو حس قانونى جال بخاطرى التحقق من بعض الأمور و بدأت أجمع منها بعض المعلومات لعلى أساعدها فى محنتها هذه و أقف بجوارها و أساندها فى شدتها

أخبرتنى بقيام أهلها (الأب والأم والخال) بإكراهها على الزواج من هذا الشخص المقتدر -الذى سوف يوفر عليهم تحمل تكاليف الزيجة ويرفع عنهم عبء التجهيزات- و وضعها تحت ضغط لا مثيل له مستخدمين فى سبيل ذلك أبشع وسائل التعذيب من حبس وضرب مبرح بجميع أجزاء جسدها و حرمان من الطعام والشراب

أترون؟ بدافع الهروب من الفقر قست قلوب الأباء على فلذات أكبادهم و تناسوا أبسط مشاعر الأبوة لدرجة قيام الأم بإخبار المأذون بإصابة إبنتها بمرض نفسى كى تلغى إرادة الإبنة الواجبة كشرط من شروط إبرام عقد الزواج عندما حاولت الإبنة الإستنجاد بالمأذون و شرحت له الموقف و أخبرته بقيام أهلها بإكراهها على الزواج رغما عنها كى يتراجع و ترجته بعدم إبرام العقد و مساعدتها

و بعد تلفيق و تفصيل عقد الزواج و بدون أدنى مظاهر للإحتفال أخد الزوج بضاعته التى إشتراها بأبخس الأسعار -أقصد بالطبع العروس المغلوبة على أمرها التى قسى عليها الأهل فقست الدنيا عليها- إلى أحد الفنادق و هى فى حالة لا يرثى لها من البكاء و العويل

و إستمرت على هذه الحالة و هى تعانى من ضغوط نفسية هائلة و ألام عضوية نتيجة ما تعرضت له من ضرب مبرح و وسائل تعذيب غير أخلاقية للدرجة التى دفعت زوجها للتعاطف معها و الشعور بالذنب تجاهها

و لكن ما فائدة هذا الشعور بالذنب فى هذا التوقيت؟

هل هو شعور حقيقى بالذنب نابع من صفة الحنان بداخله و تعاطفه معها و تقديرة لظروفها أم وسيلة لإستعطافها و تهدئتها كى يتمكن منها بسهولة لينال رضاها و يفترسها بسهولة بعد أيام من عدم التواصل الطبيعى بينهما نابع من حزنها و إنكسارها؟
ألم يكن يعلم قبل إتمام الزواج أنه شخص غير مرغوب فيه و كان بمقدوره و إستطاعته التراجع بسهولة إن كان يتمتع بخلق الرجل الطبيعى المعتدل؟

إستمر الوضع كما هو عليه طيلة أسبوعين دون تواصل طبيعى بينهما كأزواج. خلال تلك الفترة حاول الزوج إقناعها بالتواصل معه و بأنه أصبح زوجها و له عليها حقوق. صاحب هذه المحاولات من جانب الزوج تهديدات من جانب الأم لإبنتها بالإنصياع لرغبات الزوج رغما عنها تفاديا لكلام الناس و أشياء من هذا القبيل و لكن دون جدوى

مرت الأيام و ضاقت السبل بالزوج و نفذ صبره و شعرت هى بذلك و قام بإقناعها بالذهاب إلى طبيبة تقوم هى بفض بكارتها نتيجة لمقاومة الفتاة لزوجها و رفضها قيامه هو بذلك

و بالفعل إنصاعت الزوجة لرغبة الزوج هذه المرة و ذهبت معه إلى الطبيبة التى إستمعت لها و لظروفها و قامت بتهدئتها و طلبت منها الإستسلام للظروف و تسليم أمورها لله القادر وحده على حمايتها بعدما تخلى عنها أقرب الناس لها ، و أقنعتها بأنها لو إستمرت على موقفها الرافض للزوج سيقوم بالتعامل معها بالقوة و إغتصابها عنوة و إقتدار

إستسلمت الفتاة للواقع المرير و قبلت العيش تحت وطاة القهر و الإذلال مع هذا الإنسان المفروض عليها عنوة دون أدنى إكتراث بإرادتها كإنسانة لها كل الحق فى دولة من المفترض إنها دولة قانون

هل كان من المفترض أن تهرب الفتاة من الحصار المفروض عليها إن إستطاعت و تتجه إلى أقرب قسم للشرطة كى تبلغ عن قيام أهلها بإختطافها و ترهيبها وتعذيبها؟

هل لو أقدمت الفتاة على هذه الخطوة كانت ستنجو بنفسها و ستجد يد العون ممدودة لها من رجال الشرطة الشرفاء؟ أم سيعتبرونها إبنة عاق متمردة على أهلها كما يتصرف البعض فى مثل هذه الظروف و ينصرون الأهل دائما على حساب الأبناء بحجة عدم دراية الأبناء بالأمور دون أدنى تفكير؟

هل لو إستمرت هذه الزيجة سيحترم الزوج زوجته و يقدرها و يقف بجوارها بعدما أنفض الأهل من حولها أم ستصبح مطمع له يستبيحها كيفما شاء كما إستباحها أقرب الناس لها أمام عينيه؟

كيف تستطيع هذه الفتاة أن تعيش و تستقر مع شخص فرض عليها جبرا رغما عنها؟

كيف تستطيع أن تنجب منه أبناء و تكون أسرة سوية تقوم فيها بدور الأم الصالحة الحنونة و هى مفتقرة لأبسط مبادىء الحنان؟

فى نهاية حديثى أود أن أوجه نداء مصحوب برجاء إلى كل أب و كل أم يقومون على رؤوس أسرهم الكريمة بأن يتقوا الله فى أبنائهم و أن يقوموا بدورهم على أكمل وجه متحديين مصاعب الحياة فى سبيل المرور بأبنائهم إلى بر الأمان و لا يلقوا بهم إلى التهلكة تخلصا من ظروف قد تواجههم و تخفيفا عن كاهلهم
أتقوا الله فى أبنائكم أيها الأباء و كونوا رحماء بهم فى باطنكم كما فى ظاهركم


مقال منشور لى فى مدونة مصر فى قلوبنا بتاريخ 18 نوفمبر 2007

29 January, 2009

كم انا مشتاق إلى نفسى

أعزائى القراء

بعد السلام والتحية


لا يسعنى و أنا أسطر كلماتى سوى أن أصف لكم كم أنا مشتااااق إليكم .. مشتاق لقلمى .. مشتاق لإعمال فكرى .. مشتاق لتواصلى معكم .. مشتاق لتشجيعكم و دعمكم .. مشتاق كى أعود إلى سابق عهدى

لا أخفى عليكم بأننى عشت و أحيا هذه الأيام حالة من عدم الإستقرار النفسى و التخبط لأسباب - أحتفظ بها لنفسى - كان من شأنها التأثير على ممارستى لنشاطاتى الحياتية بالصورة الطبيعية و إحداث شلل فكرى جعلنى مسلوب الارادة أعيش على هامش الحياة مستمتعا بدور المشاهد والمنصت بدون إهتمام

و بمناسبة حديثى أود أن أنتهز الفرصة موجها شكرى الجزيل و بالغ عرفانى لكل من قاموا بالوقوف بجانبى و لا زالوا يشاطرونى همومى و يشجعونى على تجاوز كبوتى
و أقول لهم أنى أحيا لكم و بكم و سأظل قويا بمشيئة الله و بدعمكم و مساندتكم

كما أوجه شكرى العميق لكل من تسبب فى معاناتى و أشعل فتيل أحزانى و هم أدرى الناس بمدى إحساسى
و أقول لهم بسببكم أعانى و من أجلكم سأحارب لتجاوز معاناتى
معكم ترجمت كل معانى الإخلاص و الوفاء و خذلتمونى .. و بعيدا عنكم سأظل متمسكا بكل هذه المعانى و متطلعا للمزيد

و أدعو الله السميع العليم بأن أتجاوز أزمتى .. و أسترجع معنوياتى المبعثرة .. أدعوك بأن تثبتنى على عهدى وفيا مخلصا

أدعوك يا الله بأن أعود إلى رشدى و كينونتى .. فكم أنا مشتاق إلى نفسى

أستغفرك يا رب و أتوب إليك